خصائص الأطفال التوحديين
تتباين أعراض التوحد من البسيط إلى الشديد جداً، ولذلك فالاطفال التوحديين يتباينون بشكل كبير في قدراتهم وإعاقاتهم (Daniel,P. & James,M.2003). يتميز الأطفال التوحديين بالعديد من الخصائص بعضها جسدي وبعضها عقلي، نفسي واجتماعي. ستعرض الباحثة هذه الخصائص بشيء من التفصيل.
1- الخصائص الجسمية
الخصائص الجسمية لدى الطفل التوحدي تنقسم إلى المظهر العام، المهارات الحركية والإدراك الحسي.
أ- المظهر العام:
لا توجد خصائص جسدية عامة كالطول أو الوزن أو شكل الوجه تميز الأطفال التوحديين عن الآخرين. فهم لا يختلفون عن أقرانهم في المظهر الجسدي والشكل العام. فالطفل التوحدي يكون طبيعياً عند الولادة وليست لديه إعاقة جسدية أو خلقية (سميرة عبد اللطيف السعد، 1998: 187). وغالباً ما يكون المظهر العام للأطفال التوحديين مظهراً عادياً ومقبولاً إن لم يكن جذاباً (عثمان فراج، 2002: 53).
ب- المهارات الحركية:
يختلف النسق الحركي لدى الأطفال التوحديين من طفل لآخر. بعضهم يكون لديه مرونة حركية وتناسق حركي وقدرة على التسلق والتوازن، في حين نجد لدى البعض الآخر مشكلات تتعلق بالمشي، والركض، والتسلق. الأطفال التوحديين يتميزون بالنشاط الحركي المفرط (Porter, et al, 1992:523). كما يتميز الطفل التوحدي بالإثارة الذاتية والحركات التكرارية كهز الرأس، واللف والدوران والهزهزة (Robert & James, 1992:523). كما يرى عثمان فراج (2002) أن الطفل التوحدي يختلف عن الطفل الطبيعي في الثبات على استخدام يد واحدة، فبعض الأطفال التوحديين يتبادلون استخدام اليد اليمنى مع اليد اليسرى. كما يضيف فراج أن هناك اختلافاً بين الطفل الطبيعي والطفل التوحدي من حيث خصائص الجلد وبصمات الأصابع Finger Prints التي تنتشر بين الأطفال التوحديين أكثر من بقية أفراد المجتمع العام (عثمان فراج، 2002: 53).
ج- الإدراك الحسي:
من الشائع وجود مشكلات لدى الطفل التوحدي تتعلق بالحواس الخمس: البصر، السمع، الشم، اللمس، والتذوق. كما توجد لديه اضطرابات في الاستجابة للمثيرات الحسية (William & Michael, 1993: 211). منذ الظهور المبكر للنظريات المعرفية في مجال التوحد، فقد وثقت الاضطرابات الحسية بشكل جيد واعتُبرت مجالاً رئيسياً للعجز (وليد السيد خليفة، مراد عيسى، 2007: 143). ويستجيب بعض الأطفال التوحديين إلى الإحساسات السمعية اللمسية البصرية بطريقة غريبة وشاذة. فإما أن يكونوا شديدي الحساسية أو لديهم قصور في الاستجابة الحسية، مما يؤدي إلى مشكلات في معالجة المدخلات الحسية لدى الأطفال التوحديين. وحوالي 40% من التوحديين لديهم حساسية عالية لأصوات محددة عندما يتعرضون لها، لذلك نجدهم يغطون آذانهم أو يظهر الغضب لديهم كردة فعل بعد سماع الأصوات (Stephen, M. Edelson, 2003). وهذا ما تؤكده لورنا وينج (1996) وكذلك سميرة السعد (1998) حيث ترى كل منهما أن الطفل التوحدي يستخدم حواسه بشكل شاذ مختلف عن الطفل الطبيعي، فهو يظل محدقاً في أصابعه مثلاً أو في الأشياء التي تتحرك لساعات. كما ليس لديه حساسية للبرد أو للألم، ويستخدم حواس اللمس والتذوق والشم في اكتشاف ما يحيط به (لورنا وينج، 1996: 50، سميرة السعد، 1998: 187).
نستخلص من الآراء السابقة أن الخصائص الجسمية لدى الطفل التوحدي تتسم بالآتي:
- المظهر الجسدي والشكل العام الطبيعي.
- توجد لدى البعض مشكلات حركية تتعلق بالمشي، الركض، والتسلق، في حين توجد لدى البعض الآخر مرونة وتناسق حركي.
- نشاط حركي مفرط.
- تبادل استعمال اليد اليمنى واليسرى.
- اختلاف خصائص الجلد وبصمات الأصابع عن الأفراد الطبيعيين.
- وجود مشكلات حسية تتعلق باستخدام الحواس الخمس.
- الاستجابة للمثيرات الحسية تتسم إما بالبرودة والتبلد وإما بالحساسية المفرطة.
2- الخصائص العقلية
اعتقد كانر Kanner (1943) عند بداية اكتشافه لاضطراب التوحد أن الأطفال التوحديين يمتلكون قدرات معرفية سوية وذلك نتيجة لما أظهره هؤلاء الأطفال من براعة يدوية في تجميع المكعبات والألغاز وأيضاً المهارات الخاصة التي تميزهم عن المصابين بالإعاقة العقلية مثل المهارات التي تتضمن قدرات حسابية خاصة أو مهارات فنية وقدرات ميكانيكية (هدى أمين، 1999: 47).
وبعد مرور حوالي أكثر من 65 عام على وصف كانر للقدرات العقلية للأطفال التوحديين بأنها سوية، لم يعد هناك من الباحثين من يوافق على هذا الرأي. حيث يظهر لدى الكثير من الأطفال التوحديين قصور في القدرات المعرفية. هناك شبه إجماع على أن اضطراب التوحد هو اضطراب معرفي واجتماعي بشكل كبير (Philip, 1995:550). فالطفل التوحدي يعاني من ضعف في القدرة على الانتباه والإدراك وعدم الفهم (Robert & James, 1992:523).
ولكن ليس معنى هذا أن كل الأطفال التوحديين لديهم قصور عقلي أو مصابين بالإعاقة العقلية، حيث نجد أن أغلب الباحثين يتفقون على أن حوالي (70: 75%) من التوحديين مصابين بالإعاقة العقلية. أما النسبة الباقية فليس لديهم قصور عقلي أو أنهم يقعون ضمن فئة الإعاقة العقلية (Fred, V. 1999:77). يعاني الأطفال التوحديين من قصور واضح وعيوب معرفية تتمثل في ضعف عمليات الانتباه والإدراك وفهم الرموز والقدرة على حل المشكلات (Kamio, & Ishisaka, 2004).
يمكن من خلال عرض الآراء السابقة استخلاص أن الخصائص العقلية للأطفال التوحديين تتسم بالآتي:
- قصور في الانتباه.
- قصور في الإدراك.
- قصور في الفهم.
- نمو غير طبيعي في تطور القدرات المعرفية.
- اتساع في حركة التفكير.
- إصابة حوالي 70 : 75 % بالإعاقة العقلية.
- وجود قدرات ومهارات خاصة ومميزة لدى بعض الأطفال التوحديين تتراوح نسبتهم من 5 : 10 %.
- وجود ذاكرة جيدة لدى البعض منهم.
3- الخصائص النفسية
الخصائص النفسية لدى الأطفال التوحديين تتضمن مجموعة من السمات التي يمكن أن تؤثر على سلوكهم ومشاعرهم. بعض هذه الخصائص تشمل:
أ- اضطرابات في التفاعل الاجتماعي:
الأطفال التوحديون غالباً ما يظهرون صعوبة في فهم ومعالجة العلاقات الاجتماعية. قد يكون لديهم صعوبة في تكوين صداقات، وقد لا يستجيبون بشكل طبيعي للابتسامات أو الإيماءات الاجتماعية. كما أنهم قد يبدون غير مهتمين بمشاعر الآخرين أو غير قادرين على التعبير عن مشاعرهم الخاصة بشكل ملائم (لورنا وينج، 1996: 52).
ب- صعوبات في التواصل:
التواصل يعتبر تحديًا كبيرًا للأطفال التوحديين. قد يواجهون صعوبة في فهم واستخدام اللغة المنطوقة وغير المنطوقة، وغالبًا ما يجدون صعوبة في بدء أو الحفاظ على المحادثات. قد يستخدم البعض منهم اللغة بشكل غير عادي، مثل التكرار أو استخدام الكلمات بطريقة غير مناسبة للسياق (كانر، 1943).
ج- السلوك النمطي والتكراري:
الأطفال التوحديون غالبًا ما يظهرون سلوكيات نمطية وتكرارية، مثل التأرجح، الدوران، أو ترتيب الأشياء بطرق معينة. هذه السلوكيات قد تكون وسيلة للأطفال التوحديين للتعامل مع العالم المحيط بهم وتخفيف القلق أو التوتر (فرانسيزكا هاب، 2000).
د- حساسية مفرطة أو نقص الحساسية للمثيرات:
قد يكون لدى الأطفال التوحديين حساسية مفرطة لبعض المثيرات مثل الأصوات العالية أو الأضواء الساطعة، بينما قد يظهرون نقصًا في الحساسية تجاه أشياء أخرى مثل الألم أو الحرارة. هذه الحساسيات المختلفة يمكن أن تؤثر على سلوك الطفل وطريقة تفاعله مع البيئة المحيطة (ليو كانر، 1943).
4- الخصائص الاجتماعية
تشمل الخصائص الاجتماعية للأطفال التوحديين نمط تفاعلهم مع الآخرين وطرق استجابتهم للمواقف الاجتماعية المختلفة.
أ- العزلة الاجتماعية:
الكثير من الأطفال التوحديين يفضلون العزلة ويفضلون اللعب بمفردهم بدلاً من اللعب مع أقرانهم. قد يبدون غير مهتمين بالأنشطة الجماعية أو التفاعل الاجتماعي، مما يمكن أن يؤدي إلى شعورهم بالعزلة الاجتماعية (لورنا وينج، 1996: 50).
ب- عدم فهم القواعد الاجتماعية:
الأطفال التوحديون غالبًا ما يجدون صعوبة في فهم القواعد الاجتماعية، مثل دور الانتظار في المحادثة، أو كيفية استخدام لغة الجسد والإيماءات. هذا يمكن أن يجعل من الصعب عليهم التفاعل بنجاح مع الآخرين (سميرة السعد، 1998: 190).
ج- عدم القدرة على تقليد السلوك الاجتماعي:
القدرة على تقليد سلوك الآخرين تعتبر مهارة اجتماعية مهمة، وغالبًا ما يفتقدها الأطفال التوحديون. هذه القدرة المحدودة على التقليد يمكن أن تؤثر على قدرتهم على تعلم السلوكيات المناسبة في المواقف الاجتماعية (بلوسي ريني، 2007).
د- الارتباط بالأشياء أكثر من الناس:
الكثير من الأطفال التوحديين يظهرون ارتباطًا شديدًا بأشياء معينة، مثل الألعاب أو الأشياء غير العادية، بدلاً من الأشخاص. هذا الارتباط بالأشياء يمكن أن يكون وسيلة للراحة أو طريقة للتعامل مع القلق أو التوتر (جوديث غولد، 2005).
5- الخصائص التعليمية
تشمل الخصائص التعليمية للأطفال التوحديين الطريقة التي يتعلمون بها وأي تحديات قد تواجههم في البيئات التعليمية التقليدية.
أ- الأنماط المختلفة للتعلم:
الأطفال التوحديون غالبًا ما يكون لديهم أنماط تعلم غير تقليدية. قد يتعلمون بشكل أفضل من خلال الوسائل البصرية أو الأدوات العملية بدلاً من الطرق التقليدية مثل التعليم الشفهي (هاريس، 1994).
ب- التحديات في التركيز والانتباه:
قد يواجه الأطفال التوحديون صعوبات في الحفاظ على التركيز أو الانتباه لفترات طويلة من الزمن، خاصة في البيئات التعليمية التي تتطلب التفاعل المستمر مع المدرس أو الزملاء (سميث، 2003).
ج- الحاجة إلى بيئات تعليمية مهيكلة:
الكثير من الأطفال التوحديين يستفيدون من بيئات تعليمية مهيكلة ومنظمة. التعليم الموجه والمخصص يمكن أن يساعد في تقديم المعلومات بطريقة يسهل فهمها (باتريك، 2001).
د- القدرة على التميز في موضوعات محددة:
بعض الأطفال التوحديين يظهرون تميزًا في موضوعات محددة مثل الرياضيات، العلوم، أو الفنون. يمكن أن يكون لديهم ذاكرة استثنائية أو مهارات خاصة في مجالات معينة (هاريس، 1994).
الخاتمة
في النهاية، يتسم الأطفال التوحديون بخصائص متنوعة تشمل الجوانب الجسدية، العقلية، النفسية، الاجتماعية، والتعليمية. من المهم أن نتفهم هذه الخصائص من أجل توفير الدعم المناسب لهم وتمكينهم من تحقيق أقصى إمكانياتهم.