أسباب التوحد (من خلال النظريات
المفسرة)
التوحد
ليس مرضا محددا ذا عرض معين، وليس له تحاليل واختبارات تحدده، بل مجموعة من
الاعراض والتصرفات تختلف حدتها ونوعيتها من طفل لآخر كما انها تتفاوت في الطفل نفسه،
والطفل نفسه تختلف هذه الاعراض لديه بالزيادة والنقصان. ومع العديد من الدراسات والابحاث
التي اجريت ما زالت اسباب التوحد مجهولة.
عندما
بدأ التعرف على التوحد فسر بعض الاطباء النفسيين المتأثرين بنظرية التحليل النفسي
لفرويد التوحد على انه ينتج من التربية الخاطئة خلال مراحل النمو الاولى من عمر
الطفل وهذا يؤدى الى اضطرابات ذهنية كثيرة عنده وفسر العالم النفسي برونو
بيتلهيم (Bruno Bettlheim) أن سبب التوحد ناتج عن خلل تربوي من
الوالدين ووضع اللوم بشكل أساسي على الأم، حيث كان يطلق على الام سابقا الأم
الثلاجة ولكن مع زيادة الاهتمام بالتوحد ودراسته ظهرت نظريات و تفسيرات تعارض ما
اتجه له اتباع مدرسة التحليل النفسي في تفسير اسباب التوحد ، ومن ابرز الفرضيات التي
تفسر أسباب التوحد ما يلى :
التفسيرات
البيولوجية ويعتقد الباحثون أن جميع الافراد التوحديين يعانون من تلف دماغي ودليل
ذلك أن التوحد مرافق للعديد من الامراض العصبية والصحية والاعاقات المختلفة، وكذلك
وجود اختلاف في تشكيل ادمغة بعض الافراد التوحديين.
أما
التفسيرات الجينية ترى وجود خلل في الجينات أو الكروموسومات في مرحلة مبكرة للطفل ويؤدى
للإصابة بالتوحد، حيث أجريت دراسات رجحت الاساس الجيني للتوحد، ولكن صيغة الانتقال
الجيني لا تزال غير معروفة وهناك دراسات ترى أن بعض الاجزاء في الكروموسومات تحتوي
على عدة جينات مسببة للتوحد.
كما
يوجد العديد من التفسيرات الوراثية والبيئية والغذائية، ولكن الى الآن لا يوجد سبب
رئيسي يتفق عليه الجميع ليكون سبب بالإصابة بالتوحد، والخلاصة أن سبب توحد الطفولة
غير معروف.
النظريات المفسرة لأسباب حدوث
التوحد Theories of the causes of
Autism
لا
يزال السبب الأساسي لاضطراب التوحد غير معروفا وغير واضح فبعض الدراسات أرجعته
لأسباب نفسية واجتماعية والعلاقة بين الوالدين والطفل وما بينهما من تفاعل وهناك
من أكد على الاسباب والاحتمالات المتعلقة بالأعصاب، كما أشارت دراسات الى وجود
أسباب تتعلق بالجينات وظروف الحمل والولادة.
ويعد
التوحد من الالغاز المحيرة، نظرا لتباين خصائصه لذا فقد ظهرت تفسيرات عديدة في
محاولة منها الى يفهم هذا الاضطراب، ولقد اجريت الكثير من الابحاث على اسباب
التوحد، ولكنها لم تقدم حتى يومنا هذا الا القليل من النتائج ويوجد العديد من
النظريات التي تفسر سبب حدوث سلوكيات التوحد لتشمل مختلف التوجهات فمنهم من يتمسك
بالنظريات البيئية وآخرون يركزون على العوامل الوراثية والتكوينية وتوجد وجهات نظر
أخرى تتخذ موقفا وسطا في هذا الصدد.
ومن النظريات ايضا التي حاولت تفسير اسباب حدوث
التوحد فمنها نظريات نفسية وأخرى اجتماعية وثالثة بيولوجية، ويرجع هذا التعدد الى
عدم التوصل حتى الآن الى سبب وحيد أو أكيد للإصابة بهذا الاضطراب.
أولا: النظريات النفسية:
لقد
تعددت النظريات النفسية التي حاولت تفسير التوحد فمنها نظرية كانر (1943)، ونظرية
الآباء المتلبدين أو الباردين، ونظرية فصام الطفولة.
1 – تفسير كانر:
تعد
النظريات النفسية من أول النظريات التي حاولت تفسير حدوث التوحد ويعد ليو كانر Leo Kanner
( 1943 ) هو صاحب أول نظرية نفسية تفسر حدوث التوحد حيث ترتكز نظريته على العلاقة
بين الآباء و الطفل ، وعدم الاكتراث بالطفل و العزلة التي يجد نفسه فيها بعد
انفصام علاقته مع امه في مرحلة مبكرة من نموه هما السبب في وجود المشكلات السلوكية
و الاجتماعية لدى الطفل وبالتالي فإن الخلل في هذه العلاقة يزود الطفل بمشاعر
الغضب تجاه الأب أو الأم غير المستجيبة وجدانيا للطفل وهذا الانسحاب الاجتماعي
للطفل ويصاب الطفل بالتوحد .
وقد
حاول كانر تأكيد نظريته من خلال كتاباته التي اشار فيها الى أن جميع آباء الاطفال
الذين تم تشخيصهم بأنهم مصابين بالتوحد من قبله كانوا ذوي تحصيل عملي مرتفع ومع
ذلك كانوا غريبي الأطوار، مفرطي الذكاء والإدراك الذهني، صارمين، منعزلين، جديين
ويكرسون أوقاتهم لأعمالهم أكثر من عائلاتهم. وبناء على ذلك يرى كانر أن إصابة
الطفل بالتوحد ترجع ايضا انعزال آبائهم عن المجتمع بصورة مبالغ فيها أو ترجع
للأساليب الغريبة التي يعتمد عليها هؤلاء الآباء أثناء تربية أطفالهم، أو قد ترجع
الى العاملين السابقين معا.
2 – نظرية الآباء المتلبدين أو
الباردين Refrigerator Parents
وضع برونو بتليهايم نظريته في بداية الخمسينيات
من القرن الماضي وقد امتد تأثيرها ما يقرب من عشر سنوات وقد أكد بيتلهايم نظرية
كانر حيث أشارت نظريته الى ردود الأفعال التكيفية للرضع والأطفال الصغار ما هي
نتيجة للرفض والمشاعر السلبية من الآباء فالأطفال ينسحبون ويعزلون أنفسهم عن
التفاعل الاجتماعي.
وقد
أوضحت نظرية بتيلهايم أن الرسائل الوجدانية التي تصل الى الطفل من الآباء أو
القائمين على رعايته هي رسائل تتسم بعدم الحب أو رسائل متناقضة مرة تتسم بالحب
ومرة أخرى بعدم الود الحب ولذلك فقد عولت هذه النظرية كثيرا على الدور الذي يلعبه
الوالدين أو القائمين برعاية الطفل من خلال ما يتسمون به من عدم الحب للطفل أو
برود انفعالي أو تبلد.
3 – نظرية فصام الطفولة:
وضع
هذه النظرية كل من (سينجر وويمن) في عام 1963 وقد أشارت هذه النظرية الى أن التوحد
هو شكل من أشكال الفصام المبكر (فصام الطفولة) والذي يمكن أن يتطور فيما بعد في
مرحلة المراهقة ويظهر أعراض الفصام كاملة في هذه المرحلة. ووفقا لهذه النظرية
فالطفل يوجد في بيئة تتسم بالتفاعل الأسرى غير السوى فلا يشعر بالتكيف والتوافق النفسي
الانفعالي مما يؤدى الى رغبة الطفل في تحقيق التوازن النفسي الانفعالي ولكنه يفشل في
تحقيق ذلك ومع تكرار محاولاته وإخفاقه يصاب بالإحباط والاكتئاب النفسي و لذلك
ينسحب انفعاليا من هذا التفاعل المنفر ومن ثم يبدأ الطفل في توجيه انتباهه الى
ذاته لتحقيق التكيف النفسي الانفعالي مع ذاته و ليس مع الآخرين ثم يستغرق في توجيه
انتباهه الى احلامه نحو عالمه الداخلي الخاص به ، ومع نمو الطفل يظل منغلقا على
ذاته فتظهر وتتطور لديه أعراض شبيهة بأعراض الفصام ( أعراض التوحد ) . كما أشارت
دراسة بورد وكيربشان الى حالة طفلة تعاني من التوحد عمرها 22 شهرا ويشير تاريخ
الحالة الى قيام الوالدين برحلة تركت فيها الابنة مع الجدة وأخذت تبكي لمدة 9
ساعات وتردد كلمات "ماما ذهبت " حتى نامت وعندما استيقظت صباحا ذهبت الى
النافذة وكررت "ماما ذهبت " وبعدها أصبحت هادئة وتتجنب التفاعل مع أعضاء
الأسرة وفى اليوم التالي توقفت عن الكلام وبدأت أعراض التوحد الأخرى كالحملقة
واللعب بشكل غير مميز.
وفى
الوقت المعاصر أيضا ظهرت بعض الدراسات التي حاولت المقارنة بين آباء الأطفال
الأسوياء للوصول الى بعض الخصائص التي تميز آباء الاطفال التوحديين ومن هذه
الدراسات وقد أظهرت نتائج دراستهما أن الاطفال التوحديين أكثر اهتماما بالرياضيات
والعلوم وكذلك فهم أكثر تفوقا فيهما.
كما
أشارت دراسة الى ان الاطفال التوحديين يتشابهون مع آبائهم في الاهتمامات وفى قلة
الأنشطة الاجتماعية وكذلك في التركيز على التفاصيل.
ومن
الدراسات الحديثة ايضا التي ركزت على الاطفال التوحديين وآبائهم كانت دراسة برونت
ولكن نتائج هذه البحث جاءت في اتجاه معاكس بعض الشيء عن الدراسات السابقة فقد
أشارت الى ان الطفل التوحدي هو الذي يؤثر في الأم وليس العكس فقد أشارت النتائج
الى أن المشكلات السلوكية لدى الطفل التوحدي تؤثر على بعض الأمهات وتصيبهن بالقلق
والاكتئاب.
وبالرغم
من ظهور هذه النظريات النفسية المفسرة للتوحد وبالرغم من الدراسات الكثيرة التي
أشارت الى العامل النفسي الانفعالي في حدوث التوحد الا ان هذه النظريات تبقى دائما
محل نقد، حيث ترى (لورنا وينج) أن آراء الباحثين و النظريات المتعلقة بآباء
الاطفال التوحديين كانت مرتكزة على الانطباعات الشخصية لهؤلاء الباحثين والتي تكون
محرفة أو منحازة ، وفى السنوات الأخيرة أُجريت العديد من الدراسات التي استخدمت
أساليب أكثر موضوعية للمقارنة بين مجموعات من آباء الاطفال التوحديين وآباء
الاطفال المعاقين عقليا وآباء الاطفال الأسوياء.
كما
يرى ديفيز (Davis)
أن التوحد يعد مشكلة نفسية في حد ذاتها فلا نستطيع أن نرجع اسباب التوحد الى
التنشئة الوالدية أو الفقر البيئي، ولكن هي مشكلة قد ترجع بشكل أساسي الى أسباب
بيولوجية أو عصبية أخرى غير التنشئة والعوامل النفسية.
ثانيا: النظريات الاجتماعية: Social Theories:
يرى
رواد هذه النظريات أنه يمكن النظر الى التوحد باعتباره اضطراب في التواصل الاجتماعي
حيث أن المهارات اللغوية والادراكية للأطفال التوحديين كانت طبيعية في البداية
ونتيجة لظروف التنشئة الاجتماعية ينتج عنها انسحاب الطفل من التفاعل الاجتماعي مع
الوسط المحيط به، وانغلاقه على ذاته لإحساسه بعدم التكيف كما بينت أيضا أن
التوحديين لديهم إعاقات عضوية تعوق عملية التواصل مع الآخرين بصورة طبيعية كما
اوضحت تلك النظرة الاجتماعية أن ميول و اتجاه آباء وأمهات الاطفال التوحديين تلعب دورا أساسيا في
اعاقة ميكانيزم التواصل مع هؤلاء الاطفال ، كما أن ظروف التنشئة الاجتماعية التي
تتسم بالعواطف الجافة و نقص التواصل اللفظي بين الابوين و الطفل تعد من العناصر
الاساسية المسببة للتوحد وخاصة في مرحلة الطفولة المبكرة التي تتكون فيها شخصية
الطفل حيث انها تؤدى الى انسحاب الطفل من التفاعل مع العالم الخارجي و انغلاقه على
ذاته.
وأشارت
(لورنا وينج) الى أن القصور الأساسي في التوحد هو قصور اجتماعي، وهذا القصور الاجتماعي
يظهر في ثلاث مجالات مختلفة أطلقت عليها اسم أوجه القصور الثلاثية للتفاعل الاجتماعي
التي تسلط الضوء على ثلاثة أبعاد جوهرية هي: الاضطراب الاجتماعي، وضعف التواصل
الكلامي، والاضطراب السلوكي.
ومن
عرض الآراء والنظريات المفسرة لحدوث التوحد يبدو أن التشابه والتداخل كبير بين هذه
النظريات الاجتماعية والنظريات النفسية وبالتالي فما ينطبق على النظريات النفسية
من نقد ينطبق ايضا على النظريات الاجتماعية.
ثالثا: النظريات البيولوجية:
حيث إن
نظريات الاسباب النفسية لم تجسد لنا دليل يفسر الاصابة بالتوحد ولأن العديد من
الاطفال التوحديين يظهرون مشكلات نفسية مختلفة فإن ذلك يلفت الانتباه مباشرة الى
الايباب والعوامل البيولوجية للإصابة بالتوحد.
ويرى (روبرت
وآخرون) الأدلة في الوقت الحاضر ترجح كفة الأسباب الفسيولوجية الجسدية (والمسماة
أيضا بالعضوية) للإصابة بالتوحد وما يتبعه من اضطرابات.
ويشير
(ابراهيم شكري) الى ان الابحاث لم تصل حتى الآن الى السبب المباشر للتوحد، ولكن
يعتقد انه نتيجة لاضطراب غير معروف في وظائف المخ والبعض يقترح وجود اضطرابات في
المواد الناقلة للنبضات العصبية مثل السيروتونين Serotonin أو وجود عيوب تشريحية في جزء من المخ، وقد
أثبتت الأبحاث وجود عامل خطورة للإصابة بالتوحد منها مضاعفات ما حول الولادة،
الاضطرابات الجينية والوراثية، إصابة الأم بالحصبة الالمانية أثناء فترة الحمل،
عيوب التمثيل الغذائي والالتهابات الميكروبية.
وتشير
بعض الادلة العلمية لدراسات أجريت على أسر اطفال توحديين أو معاقين عقليا أن
التوحد المرتبط فقط بإعاقة عقلية يزيد أو ربما يكون له أساس جيني. وتشير (لورنا
وينج) الى ان النظريات البيولوجية والبحث العلمي القائم حول العوامل العضوية أو
البيولوجية يتم حاليا على ثلاث مستويات مختلفة ومتداخلة في نفس الوقت وهي:
المستوى
الأول: يتعلق بالأسباب الرئيسية لأمراض المخ المحتملة.
المستوى
الثاني: يهتم بكيف وأين تؤثر تلك المسببات الرئيسية على المخ فهل يؤثر العامل
الوراثي، أو الإصابة قبل أو أثناء أو بعد الولادة أو المرض في المخ بصورة مباشرة
أو غير مباشرة، ربما عبر نوع من الخلل في كيميائية الجسم، وأي جزء من الاجزاء
المتعلقة بتركيبة أو بوظيفة المخ يفترض أن يصاب بالتلف أو بالإعاقة خلال عملية
النمو ليتسنى المجال لظهور السلوك التوحدي؟
المستوى
الثالث: يتعلق بطبيعة الوظائف النفسية التي تعرضت للعطب أو للاضطراب نتيجة الخلل الوظيفي
للمخ.
1 – المستوى الأول: الأسباب
الرئيسية لأمراض المخ المحتملة:
ترى (Maurica)
أن هذا الاضطراب اضطراب بيولوجي في نمو المخ وليس اضطراب انفعالي ناتج عن سلوك
الآباء أو الخلل الأسرى. ولكن ما هي الاسباب التي جعلت نمو المخ غير الطبيعي غير
معروفة حتى الآن؟
قد
تكون الاجابة أن اضطراب التوحد حتى الآن لا يظهر بشكل أكيد في الأشعة المقطعية
للمخ أو أي اختبارات طبية أخرى.
ولكن
رغم ذلك يرى بعض الباحثين أمثال (ديفيد و مارتن وفيلب) أنه قد امكن التعرف على بعض
المسببات لهذا الاضطراب التي وجدت لدى نسبة الثلث تقريبا من الاطفال التوحديين و
من بين هذه المسببات نجد الالتهاب الدماغي في السنوات الاولى من العمر، وإصابة
الأم من العمر، وإصابة الأم بالحصبة الألمانية خلال فترة الحمل وحالة فينيل
كيتونوريا وهى عبارة عن اضطراب حيوي كيميائي يعالج بواسطة نظام غذائي خاص اذا شخص
مبكرا في مرحلة الطفولة، والتصلب الدرني للأنسجة العضوية وهى حالة وراثية تسبب
رقعا غير طبيعية في المخ و في الجلد والتشنج الطفولي اللاإرادي وهو شكل نادر و حاد
من الصرع ينشأ في السنة الأولى من العمر وكذلك نجد اضطراب التوحد قد يكون مرتبط
باضطرابات مثل الصرع وكذلك قد يكون مرتبط بالصعوبات الشديدة خلال الولادة بما في
ذلك من نقص الاوكسجين أثناء الولادة كما ترجع اصابة الاطفال المولودين بصعوبات
بصرية حادة و بتلف دماغي باضطراب التوحد . وحديثا اكتشف ان اعاقة كروموزوم x الهش
"Fragile X"
توجد لدى بعض الاطفال التوحديين ومن الدراسات التي اشارت الى الاسباب البيولوجية
والوراثية لدى اطفال التوحد دراسة التي درسا فيها (21) زوج من التوائم من نفس
الجنس وقد أظهرت نتائج البحثان حوالي 36% من إخوة الاطفال التوحديين كانت تنطبق
عليهم محكات تشخيص التوحد. وقد وجد ذلك في 82% من التوائم المتطابقة ذوي البويضة
الواحدة أو المتماثلة و10% فقط في التوائم غير المتطابقة أو غير المتماثلة ذوي
البويضتين. وقد أشار إلى أن معدل حدوث التوحد بين التوائم ذوي البويضة الواحدة
يكون أعلى من التوائم ذوي البويضتين وأعلى من معدل الحدوث بين اخوة الأطفال
التوحديين.
وفى
أمريكا وُجد أن نسبة الانتشار بين الاطفال الذين وُلدوا لأخوة يعانون من التوحد
تصل الى 4,5% بينما ينتشر التوحد في المجتمع الأمريكي عامة بنسبة أقل لأمن ذلك
بكثير (10: 20) حالة لكل (10000) عشرة آلاف مواطن وبذلك يتضح من الاحصاءات
التحليلية لهذه البحثان انتشار التوحد بين أطفال وُلدوا لإخوة توحديين يزيد (210)
ضعفا عن انتشاره بين أطفال المجتمع العام.
2- المستوى الثاني: تأثير
المسببات الرئيسية على المخ:
يشير (Philip)
الى ان الأماكن التي تكون مصابة ولاديا أي منذ الولادة والتي تعطل النمو وتجعله
مضطربا قد تكون دليلا على اضطراب الجهاز العصبي المركزي وظهور علامات الاضطراب
العصبية وقد وجد نشاطا زائدا في نصف الكرة الايسر وهي المنطقة الهامة للتواصل لدى
الاطفال التوحديين. وأشار الى أن الدراسات المختلفة أظهرت علامات غير طبيعية على
رسام المخ الكهربائي (EEG) في أكثر من 50:80% من المصابين بالتوحد وقد
أشارت بعض الدراسات في نهايات القرن العشرين الى ان البحث عن عيوب مُحددة كسبب
للشذوذ العصبي لدى الطفل التوحدي قد أدى الى بعض الافتراضات ومنها أن التكوين
المعقد في جذع الدماغ Brain Stem للطفل التوحدي ربما يفشل في التزويد بدرجة
إثارة مناسبة.
وهناك
فرضية أخرى وهي أن مواقع التلف في القشرة الدماغية Cerebral
Cortex
الطبقة الأكثر بُعدا من الدماغ قد تكون هي المسئولة عن الاختلال الوظيفي والإدراكي.
وأشار
(Edelson)
الى وجود برهان على أن الفيروس Virus يُمكن أن يسبب حدوث التوحد حيث يتزايد حدوث
التوحد بعد تعرض الأم للإصابة بالحصبة خلال الثلاث شهور الأولى من الحمل. وأيضا
فيروس السيتوميجالو (CMV) (الفيروس الذي يضخم الخلية) يرتبط بالتوحد
وفى دراسة للتعرف على نسبة الهرمون (OT) Oxytocin في الدم ومن خلال مقارنة (29) طفل توحدي
مقابل (30) طفل طبيعي وكشفت النتائج أن نسبة (OT) في عينة التوحديين أكثر من عينة الاطفال
الطبيعيين. وهناك دراسة أُخرى للتعرف على مستوى البيتا أندروفين Beta Endorphins
(مواد تشبه الأفيونات وتفرز داخليا في الجسد) في سائل النخاع الشوكي لدى التوحديين
وآخرين يعانون من متلازمة ريت Rett وعينة ثالثة من الاطفال الطبيعيين وقد وجد
أن المستوى كان أعلى من مجموعة الاطفال المصابين بمتلازمة رت Rett
وقد
وجدت دراسات عديدة مثل دراسة كوبشر وآخرون زيادة في مضاعفات الولادة أو ما قبل
الولادة لدى مجموعة الاطفال التوحديين أكثر من المجموعات الأخرى.
وفى
بعض الدراسات استخدم رسام المخ الكهربائي، وعلم التشريح العصبي وكشفت هذه الدراسات
عن التهابات غير طبيعية لدى بعض الاطفال التوحديين. كما أشارت النتائج الى نقص نمو
خلايا الدماغ وزيادة كثافة الخلايا المجمعة، كما كشفت عن اضطرابات في عمليات الأيض
المتعلقة بالسيروتونين والكاتيكولامين. وبالرغم من أن النتائج لم تكن مؤكدة، الا
انه حديثا وجدت دراسات الرسم السطحي بأشعة (X) ارتفاع نسب الجلوكوز في مناطق المخ
المنتشرة لدى بعض التوحديين.
وقد
وجد Volkmar & Nelson تاريخ لنوبات صرعية لدى 21% من عينة الاطفال
التوحديين والتي كان عددهم 192 طفلا توحديا. في حين أشار Cardo
et al الى أن
47% من الاطفال التوحديين ظهر لديهم بعض أنواع الصرع. كما وجد Steffen burg et al
لدى عينة مكونة من الاطفال المعاقين عقليا والمصابين بالصرع وهم في سن المدرسة أن
21% منهم كانوا توحديين.
3- المستوى الثالث: طبيعة
الوظائف النفسية التي تعرضت للعطب أو الاضطراب:
إن
أكثر مستوى شغل اهتمام البحث العلمي فهو طبيعة الوظائف النفسية التي تعرضت للعطب
أو الاضطراب نتيجة للخلل الوظيفي للمخ. وقد وجد أن الاطفال لا يستطيعون مواكبة
الأحداث المترابطة في البيئة حولهم لأنهم يكونوا دائما في حالة مستمرة من الهياج
والتوتر.
(حركة
وهياج مفرطين) ولكن لم يتم إثبات هذا الافتراض بعد ويبدو واضحا أن الخلل في فهم
واستخدام اللغة هما مظهران جوهريان للتوحد وما يرتبط بها من أعراض مصاحبة.
التعقيب على النظريات
البيولوجية:
لا
يمكن الجزم بما جاءت به النظريات البيولوجية في تفسيرها لأسباب حدوث التوحد حيث إن
هناك العديد من الدراسات التي أشارت الى عكس ما جاءت به النظريات المرجحة للأسباب
البيولوجية كسبب للإصابة بالتوحد.
فقد
استنتج Sauna
أنه لا توجد آثار واضحة للعوامل الوراثية في التوحد، ولكنه مع ذلك أشار الى وجود
عوامل مؤثرة أو إصابة عن طريق الإشعاع أو حالات أخرى خلال الارتقاء بعد الولادة من
الممكن أن يكون لها دور في حدوث التوحد. وفى دراسة أخرى قامت بها جامعة لوس أنجلوس
في عام 1988 بولاية كاليفورنيا تم إجراء البحث المسحية على عينة بولاية يوتا وكانت
العينة من (207) أسرة وقد أظهرت النتائج أن من بين هذا العدد من الأسر توجد (20)
أسرة، (9,7) لدى كل منها طفل توحدي. بينما ينتشر التوحد في المجتمع الأمريكي بنسب
أقل من ذلك بكثير.
التعقيب على النظريات المفسرة
لأسباب حدوث التوحد بشكل عام:
بعد
العرض السابق للأسباب وللبحوث التي استهدفت التعرف على العوامل المسببة لإعاقة
التوحد، تجدر الإشارة الى أن هناك مئات من البحوث التي أُجريت في محاولات المختصين
للوصول الى معرفة العوامل المسببة ومع ذلك لا زال هناك الكثير الذي يتطلب الأمر
معرفته للوصول الى تحديد أكثر دقة للعامل أو العوامل المسببة للتوحد ولذلك فحتى
الآن لا يوجد جزم بما هو السبب الحقيقي أو الأسباب الحقيقية لحدوث التوحد.
فما
زالت الأبحاث جارية حول ما إذا كان اضطراب التوحد يحدث أثناء فترة الحمل أو أثناء
عملية الولادة أو لها علاقة بالعوامل البيئية مثل العدوى الفيروسية أو عدم توازن
التمثيل الغذائي أو التعرض للمواد الكيميائية في البيئة.