اضطراب طيف التوحد: دليل شامل لفهمه والتعايش معه
في عالمنا المتنوع، يبرز التوحد كأحد أبرز الاضطرابات العصبية النمائية التي تستدعي الفهم والوعي. إنه ليس مرضاً أو حالة يمكن الشفاء منها، بل هو طريقة مختلفة في التفكير، والشعور، والتفاعل مع العالم. يجد الكثيرون صعوبة في فهم هذا الطيف الواسع، مما يخلق حواجز تمنع التواصل والتعايش السليم. يهدف هذا المقال إلى كسر هذه الحواجز، وتقديم دليل شامل يضيء جوانب اضطراب طيف التوحد، من أصوله وأسبابه، إلى أعراضه وطرق تشخيصه، وصولاً إلى استراتيجيات الدعم التي تمكن الأفراد من التوحد من تحقيق أقصى إمكانياتهم.
يُعد
اضطراب التوحد من أشد واعقد اضطرابات النمو والتي تصيب الطفل أثناء النمو مثل
اضطراب التوحد واضطراب زملة اسبرجر واضطراب ريت واضطراب الطفولة التفككي وغيرها من
الاضطرابات الاخرى، ولكن يعد اضطراب التوحد هو أشهر هذه الاضطرابات جميعا واعقدها وأشدها
وهو اضطراب اكتشفه الطبيب الأمريكي (ليو كانر) عام. (1943)
وللتوحد
تأثير شديد على شخصية الطفل وعلى أسرته وكذلك المجتمع الذي يعيش فيه وذلك نتيجة
لما يظهر على الطفل من خلل وظيفي يترتب عليه توقف أو تأخر النمو في معظم الجوانب
المرتبطة باللغة والتواصل والنمو الاجتماعي والادراك الحسي والانفعالي مما يعيق
عمليات التعلم والتطبيع واكتساب القدرات والتفاعل والتعامل مع الآخرين وهو ما يسمى
بالتواصل الاجتماعي.
وقد
كان أول ما لفت نظر ليو كانر (مكتشف التوحد) الى الاطفال التوحديين هو عدم قدرتهم
على اقامة علاقة مألوفة مع الناس وعدم القدرة على الارتباط بهم ونقص القدرة على
المشاركة في تبادل التفاعل الاجتماعي. وهذا الخلل أو القصور أو الاضطراب الاجتماعي
في التوحد غالبا ما يظهر منذ بداية الحياة.
حيث
يفشل الطفل الرضيع في تطوير الاتصال البصري المتبادل وفي الابتسامة الجماعية خلال
الشهور الاولى من الحياة. كما يظهر لديه فيما بعد خلل في الفهم العاطفي والانفعالي
ولذلك يظهر لديهم قصور وصعوبة في الارتباط بالناس أو الأشياء أو الأحداث.
كما
يٍعانى الاطفال التوحديين من عدم فهم المعلومات الاجتماعية وتعلم كيفية التفاعل مع
الآخرين، وتعد القدرة على الانتباه غير البسيط أو غير المكتوب، والتظاهر، وما
يتعلق بفهم الدعابة والفكاهة من الأمور التي يوجد بها صعوبة لدى الاطفال التوحديين.
والقصور
أو العجز في اللعب بطريقة صحيحة أو الاشتراك في لعبة مع الآخرين. ولذلك يعد القصور
في التواصل الاجتماعي على المستويين الوظيفي والعملي ان لم يكن هو العرض الرئيسي
فهو من الاعراض الأساسية للتوحد.
يعتبر التوحد من الفئات الخاصة التي بدأ الاهتمام والعناية بها بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة. وذلك لما يعانيه الاطفال في هذه الفئة من اعاقة نمائية عامة تؤثر على مظاهر النمو المتعددة للطفل وتؤدى الى انسحابه وانغلاقه على نفسه، كما ان التوحد يعتبر من أكثر الاعاقات النمائية صعوبة بالنسبة للطفل. ويعود الفضل الاكبر في التعرف على التوحد والاهتمام به الى الطبيب النفسي ليو كانر الذي قام بأجراء دراسة على (11) طفلا، ومن خلال ملاحظته قدم وصفا لسلوكهم في دراسته التي نشرت عام (1943)، وأطلق عليها اسم التوحد الطفولي، حيث يتصف الاطفال بالعزلة الاجتماعية، وعجز في التواصل، وسلوك نمطي واهتمامات مقيدة. ومع زيادة الاهتمام بالتوحد أصبح ينظر اليه كإعاقة منفصلة في التربية الخاصة ويظهر ذلك واضحا من خلال القانون الأمريكي لتربية وتعليم الافراد المعاقين.
ما هو اضطراب طيف التوحد (ASD)؟
اضطراب طيف التوحد (Autism Spectrum Disorder) هو اضطراب عصبي نمائي معقد يؤثر على كيفية عمل الدماغ. سُمّي "طيفاً" لأنه يتجلى في مجموعة واسعة من الأعراض والمهارات والسلوكيات التي تختلف بشكل كبير من شخص لآخر. يتراوح الطيف من حالات خفيفة قد لا تُلاحظ بسهولة، إلى حالات شديدة تتطلب دعماً مكثفاً.
تتفق الأوساط العلمية والطبية على أن التوحد يؤثر بشكل أساسي على:
التفاعل الاجتماعي والتواصل.
أنماط السلوك والاهتمامات المقيدة أو المتكررة.
أول من وضع حجر الأساس لفهم التوحد كان الطبيب النفسي الأمريكي "ليو كانر" في عام 1943، عندما وصف مجموعة من الأطفال يعانون من "العزلة الاجتماعية" و"الرغبة في الحفاظ على الروتين" و "الخلل في التواصل". ومنذ ذلك الحين، تطورت الأبحاث بشكل كبير، مما أدى إلى فهم أعمق لهذا الاضطراب.
أسباب التوحد: فهم العوامل المعقدة
حتى الآن، لا يوجد سبب واحد محدد لاضطراب طيف التوحد. بدلاً من ذلك، تشير الأبحاث إلى أن التوحد ناتج عن مزيج معقد من العوامل الوراثية والبيئية.
العوامل الوراثية: تلعب الجينات دوراً رئيسياً في التوحد. لا يوجد "جين توحد" واحد، بل يعتقد العلماء أن مئات الجينات المختلفة قد تزيد من خطر الإصابة بالاضطراب.
العوامل البيئية: قد تساهم بعض العوامل البيئية في زيادة احتمالية الإصابة بالتوحد، مثل مضاعفات الحمل والولادة، أو التعرض لبعض السموم البيئية. لكن يجب التأكيد على أن الأبحاث الحديثة قد دحضت بشكل قاطع أي علاقة بين اللقاحات والتوحد.
أعراض التوحد: علامات تستدعي الانتباه
تظهر أعراض التوحد عادة في مرحلة الطفولة المبكرة، وتستمر طوال الحياة. يمكن أن تتراوح الأعراض في شدتها وتنوعها، ومن أبرزها:
صعوبات في التواصل والتفاعل الاجتماعي
صعوبة التواصل اللفظي: تأخر في الكلام، أو عدم القدرة على بدء محادثة أو الاستمرار فيها.
تجنب التواصل البصري: قد لا ينظر الطفل في عيني الآخرين أو يتجنب الاتصال البصري بشكل عام.
صعوبة فهم الإشارات غير اللفظية: عدم القدرة على فهم لغة الجسد، تعابير الوجه، أو نبرة الصوت.
صعوبة في بناء العلاقات: يجدون صعوبة في تكوين صداقات أو اللعب مع أقرانهم.
تفضيل العزلة: قد يميلون إلى اللعب بمفردهم في عالمهم الخاص.
أنماط سلوكية متكررة واهتمامات مقيدة
السلوكيات المتكررة (التحفيز الذاتي): مثل هز الجسم، رفرفة اليدين، أو المشي على أطراف الأصابع.
الاهتمامات المحدودة والمهووسة: قد يظهر الشخص المصاب بالتوحد اهتماماً شديداً بموضوع واحد، مثل القطارات أو الديناصورات، ويعرف كل التفاصيل عنه.
التمسك بالروتين: ينزعجون بشدة من أي تغيير في روتينهم اليومي.
الحساسية الحسية: قد تكون لديهم حساسية مفرطة أو غير كافية للأصوات، الأضواء، الروائح، أو اللمس.
تشخيص التوحد: رحلة تتطلب الخبرة
لا يوجد اختبار طبي واحد لتشخيص التوحد. بدلاً من ذلك، يعتمد التشخيص على تقييم شامل يقوم به فريق من المتخصصين. يتضمن التقييم:
مراقبة سلوكيات الطفل.
مقابلات مع الوالدين ومقدمي الرعاية.
اختبارات لتقييم المهارات اللغوية، الحركية، والاجتماعية.
يستخدم الأطباء معايير محددة من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5) لتحديد وجود التوحد ودرجة شدته.
علاج ودعم التوحد: بناء مستقبل أفضل
لا يوجد "علاج" للتوحد بالمعنى التقليدي، ولكن هناك العديد من التدخلات والعلاجات التي تساعد الأفراد على تطوير مهاراتهم وتحسين جودة حياتهم.
العلاج السلوكي: يُعد تحليل السلوك التطبيقي (ABA) من أكثر العلاجات فعالية، حيث يركز على تعليم المهارات الأساسية وتعديل السلوكيات غير المرغوبة.
العلاج الوظيفي: يساعد الأفراد على تطوير مهارات الحياة اليومية، مثل ارتداء الملابس، الكتابة، أو استخدام الأدوات.
علاج النطق واللغة: يهدف إلى تحسين مهارات التواصل، سواء اللفظي أو غير اللفظي.
العلاج النفسي: يساعد في التعامل مع المشاعر، القلق، والاكتئاب التي قد تصاحب التوحد.
أهمية الوعي المجتمعي: نحو مجتمع أكثر شمولاً
يُعد الوعي المجتمعي أحد أهم العوامل في دعم الأفراد من التوحد. عندما نفهم أن التوحد ليس إعاقة بل اختلاف، يمكننا أن نوفر بيئة أكثر تقبلاً وشمولاً. يجب على المدارس، أماكن العمل، والأماكن العامة أن تكون أكثر وعياً باحتياجاتهم، وتوفير التسهيلات اللازمة لتمكينهم من المشاركة الفعالة.
خاتمة: التوحد قوة وليس ضعفاً
التوحد ليس نهاية المطاف، بل هو بداية رحلة فريدة من نوعها. إنه طيف يضم في طياته قدرات ومهارات استثنائية، من التفكير المنطقي العميق إلى التركيز الشديد والإبداع في مجالات محددة. التحدي الحقيقي ليس في تغيير الشخص المتوحد، بل في تغيير نظرة المجتمع له.
دعونا نعمل معاً على بناء جسور من الفهم والتقبل، وندعم الأفراد من التوحد ليحتفلوا باختلافهم، ويطلقوا العنان لإمكانياتهم الكاملة.
دعوة للمشاركة والنقاش
هل لديك تجربة شخصية مع التوحد؟ كيف ترى أننا يمكن أن ندعم الأفراد من التوحد بشكل أفضل في مجتمعاتنا؟ شاركنا قصتك أو رأيك في التعليقات، ودعنا نبدأ حواراً بناءً يساعد على نشر الوعي وتقريب المسافات.